بسم الله الرحمن الرحيم

الفاضل رئيس تحرير مجلة نداء الإسلام – مدينة سيدني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أمَّا بعد :

فبعد اطلاعي على موضوع (الخوارج : تاريخ وعقيدة وحاضر) بقلم الشيخ محمد القرشي ، بالعدد التاسع عشر ، السنة الرابعة ، صفر 1418 للهجرة الشريفة ، من مجلتكم المغتربة ، والتي كنا نتطلع فيها وأمثالها لمَّ فرقة المسلمين ، والعون على وحدة صفِّهم ، دارت بخلدي أبياتٌ لشاعر العرب الكبير أبي مسلم الرواحي رحمه الله يقول فيها:

وما ذبح الإسلامَ إلا سيوفُنــــا *** وقد جُعلت في نفسـها تتقارع

وما صدعةُ الإسلامِ من سيف خصمِه *** بأعظمَ مما بين أهليـه واقــع

وما ترك المختارُ ألفَ ديانـــــةٍ *** ولا جاء في القرآن هذا التنازع

فيا ليت أهل الدِّيــــن لم يتفرقوا *** وليت نظامَ الدِّين للكلِّ جامع

نعم كنا نتطلع منكم البحث عن حلول لمشاكل المسلمين العالقة ، وإنقاذهم من الهوَّة التي هم فيها ، لا أن تزيدوا الجراح نُكأً ، وتنبشوا تأريخ فر قٍ ماتت لترموا بغلوائها فرقةً إسلامية كان شعارها منذ بدايتها:

(الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركا بالله عابد وثن ، أو كافرا من أهل الكتاب ، أو إماما جائرا حكم بغير ما أنزل الله)

إن المقال الذي نشرتموه هو أدنى من أن يكون أهلاً للردَّ عليه ، فهو وكما يظهر من فحواه لم يصدر من مسلم لبيب ضالته الحق ، فرسول الحق صلى الله عليه وسلم يقول: ( المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجرُ مَن هَجَر ما نهى الله عنه :متفق عليه) ، ولكن المؤلم أن تتبناه مجلة تحمل اسم الإسلام الخالد ونداءه ، وتنتشر عبر الأثير في أصقاع الدنيا ، والذي يحزُّ في النفس أكثر أنها تصدر في بلاد الغربة بين النصارى واليهود ، أي في موضع يَجْمُل فيه أنْ يُرِي المسلمون فيه وحدة الصف ، وتمام الألفة ، لا الفرقة والشقاق ، عسى الله أن يبعث هيبتهم في قلوب أعدائهم ، ولكنَّه الواقع المؤلم الذي لمسناه في كل أرض تطأها أقدام الوهابية الحشوية المجسمة ، حيث يبعثون فرقة الصف واختلاف الكلمة ، هذا ما لمسناه في أفغانستان بعد دخولهم فشقوا صفَّ الجهاد ، وبدأوا يكفرون الأحناف زاعمين أنهم مشركون عبدة قبور ، وهذا ما لمسناه في كل تجمع شبابي في أوربا وأمريكا حيث لا يدخلون في تجمع إسلامي إلا والفتنة تحت أعطافهم ممزوجة بأموالهم التي لا تنفق إلا لنشر بضاعتهم البائرة ، ولا غرو في ذلك فذرية ذي الخويصرة لن تكون أهدى من ذلك سبيلا ، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره الكاتب ليسلحه على غيره ، وهاهم الوهابية يحملون معاول الهدم لصرح الإسلام الشامخ ، وترى الكثير من المؤمنين يستقلون صلاتهم إلى صلاة هؤلاء وصيامهم إلى صيامهم مصداقا للحديث الشريف ، وهيهات أن يفلحوا رغم ما ينفقون.

إن المهاترات ليست من شأننا ولا من أخلاق ديننا الإسلامِ الخالد ، وإننا لندعو مجلتكم للبعد عما يعكر صفو قلوب المسلمين ، والعمل على لمِّ شملهم ، وجمع كلمتهم ، ألا فانظروا أصلحكم الله إلى أعدائكم ، فهاهم الأوربيون على مرأى منكم ومسمع ، لغاتهم مختلفة ، وعاداتهم شتى ، وتاريخهم حروب طاحنة فيما بينهم ، ومذاهبهم الدينية متعادية ، ولا مصير مشترك يجمعهم ، هاهم رغم كل ذلك يتركون الخلاف معترفين به ، باحثين عن أماكن الائتلاف ، لينطلقوا منها مكوِّنين بذلك أوربا الموحدة ، فما بالنا نحن ، الذين يجمعنا القرآن ، لا اختلاف فيه ، ويجمعنا الصحيح من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ( وقد كذب صاحب المقال بزعمه أنَّ الإباضية لا يعتمدون على ما رواه غيرهم من سنة المصطفى ، فكتبُنا شاهدٌ على ما أقول ، ولكن رمتني بدائها وانسلَّت ، فمخالفنا هو من حرم نفسه بهجرانه للثابت من حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، الوارد بالجامع الصحيح ، مسند الإمام الثبت الحجة الحافظ الربيع بن حبيب رضي الله عنه ، الأقرب إلى عصر النبوة الطاهر من أي صاحب صحاحٍ غيره ، والذي لم يُطعن بجرحٍ ولا تعديل ، بل له الثناء ولمن روى عنهم) ، توحدنا أركان الإسلام ، وأركان الإيمان ، توحدنا اللغة الخالدة لغة القرآن ، يوحدنا تاريخنا، ومصيرنا المشترك ، وعاداتنا العربية الأصيلة التي أقرها الإسلام ، فما بال البعض يبحث عن الاختلاف ويروِّج له ، وعن مسائل لم يطالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها العباد ، ألا ترون معي أن من يثير هذه المسائل ليس باحثاً إلا عن الفتن ، ألا يكفيه من المسلم توحيده ، وإخلاصه لله الواحد الأحد ، معتصما بكتاب الله ، مقتديا برسول الله ، إن صحَّ لديه الخبر عن الرسول الكريم اتَّبعه ، ونبذ ما سواه ، أُخوةُ الإسلام لديه مقدَّسة ، وزوال الدنيا عنده أسهل من سفك دم امرئ مسلم بغير حق .

فإن كفاك هذا أيها الأخ المسلم فاعلم أن من أُطلق عليه لفظة الإباضي تشنيعا هو بهذا الوصف الذي ذكرتُ لك سابقا ، وإذا أردتَ التفصيل فتفضل بالزيارة في عمان ، أما أن تنقل عن ابن حزم الذي لم يلق الإباضية أو الشهرستاني ، فذلك الظلم بعينه ، وهل يدان الإنسان من لسان غيره ، ألا فلندانَ من أقوالنا وأفعالنا إن كان لا بد من الإدانة.

هذا من ناحية ، أما ما طلبه المدعو محمد القرشي ( والذي أرجو أن لا يدَّعي غدا بأنه هو محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي !) من قراء مقالته السقيمة من عدم السماع للطرف الآخر فهذا من أعجب العجب ، فلا الإسلام ولا حتى القوانين الوضعية تحكم من غير السماع للطرف الآخر، وإنما هذا من أخلاق الأعراب الذين وصفهم القرآن بأنهم (أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) ، كيف ذلك والقرآن يأمرنا بمجادلة الكافرين بالتي هي أحسن ، وهل الجدال إلا أخذ ورد ؟! أقول بل وسِّع صدرك أيها المسلم ولا تكن كذلك الذي أعمى الله قلبه كما أعمى بصره – ذلك الذي لا يؤمن بالبدهيات ؛ ككروية الأرض – والذي شنَّع على الإباضية فلمَّا دُعي إلى النقاش الهادف الهادئ أمام وسائل الإعلام احرنجم وانكفأ على نفسه مدعيا أنه لا يريد أن يروج للباطل ، وهل في الجدال بالتي هي أحسن ، والذي دعا إليه كتاب الله سبحانه وتعالى ترويج للباطل ، أم أن هنالك قناعة راسخة في أذهان هؤلاء أن باطلهم سيتعرَّى إذا ما سُلِّطت عليه مصابيح الحق.

أما من ناحية ما انتقده الكاتب على المذهب الإباضي ، فجوابه ليس بخافٍ على من يقرأ كتب الإباضية ، ولا يحرقها ، ولكنه سيخفى على من يمنع دخول كتب المسلمين إلى بلاده ويبيع المجلات الساقطة أمام أبواب أشرف المساجد .

إنَّ أوقاتنا أغلى من أن نهدرها في مهاترات أمثال هؤلاء ، وكما قيل:

لو كلَّ كلبٍ عوى ألقمته حجرا *** لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ

ولكن لتبيين الحق لكم أقول باختصار:

1. انظر إلى السارق ، أو الزاني ، أو شارب الخمر ، أو آكل الربا ، بل وعلى الإجمال مَن فعل موبقة أو كبيرة من كبائر الذنوب أليس عاصيا لله ولرسوله ؟ أليس متعديا لحدود الله ، أتستطيع أن تقول لا ، إذاً فإن قلت نَعَم إنَّ مرتكب الكبيرة عاصٍ لله ولرسوله ، متعدٍ للحدود ؛ فاسمع قول الله سبحانه (ومن يعص اللهَ ورسولَه ويتعدَّ حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذابٌ مهين)النساء آية14، وكفاك هذا من القرآن ، فهي آية محكمة ، أما الأحاديث فكثير منها نصَّ ، على الخلود في النار لمن مات على كبيرة منها الأحاديث التالية – والتي أثبتُّ مصادرها اللفظية فقط ؛ وإلا فإنها قد وردت من عدة طرق :

لذا نعم فنحن نقول بالخلود في النار للذي يموت غير تائب من كبائر الذنوب ، إيمانا بالمحكم من كتاب الله ، والثابت الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولعل هذا ممَّا يعصمنا عن الكذب لإيماننا بأن الكبائر تخلِّد في النار ، فلا نفتري على من يخالفنا الرأي كمن لا يستحي في قوله بأن الإباضية لا يأكلون قضيب التيس ، و يحجون في جميع أشهر السنة ، ويجمعون بين المرأة وعمتها ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

2. نعم نحن لا نقبل أن يصلي بنا من تدعوه بالخليفة الفجر أربعا وهو سكران ، ويقولإن شئتم زدتكم ، فشروط الخلافة لدينا محققٌ أن يراها أمثالك قاسية جداً ، أما تحليلك الألمعي بأن من تسميهم الخوارج من ربيعة المعادية لمضر ، والتي لا ترضى بالخلافة لقريش ، يدلُّ وأيم الحق بأنك رويعي غنم ، فإن كنت تقصد أهل الدعوة من الإباضية فإنّهم كانوا من قبائل شتى ، وبلاد مختلفة ، راجع ذلك في أنسابهم ، لم يجمعهم إلا غيرتهم على محارم الله تنتهك ، ودينه يندرس ، فقاموا ليبينوا الحق للخلق ، فثارت عليهم أجهزة الحكم الجائر كما هو الحال في كل زمان ومكان ، ولو لم تكن رويعي شياه لتكلمت بلغة عصرك ، فالإسلام أتى لكل زمان ومكان ، فأين هي قريش اليوم لتحكم ، هل تموت الخلافة الراشدة أم يبقى الناس فوضى لا سُراة لهم، أم أنك تدعي بأنك من قريش فأنت لها؟!

3. إن كنت أعجب من التهم الباطلة التي يفتريها الكاتب من أول مقاله إلى آخره على الإباضية ، فإن بدني ليقشعرُّ من اتهامه إياهم (بإضاعتهم لدماء الأبرياء ، وحياة الأتقياء ، وأموال المسلمين ، وأما حديثا ففي هدر طاقات الشباب المسلم وتمزيق شملهم ) وكأنَّ الإباضية هم من قتل سعيد بن جبير ، أو المتفاخرين في مؤلفهم (عنوان المجد في تاريخ نجد ، لعثمان بن بشر النجدي الحنبلي) بقتل الأبرياء من أهل جزيرة العرب ، وإليك مثلا واحدا من هذا الكتاب الطافح بتاريخكم الأسود من قتلٍ للأبرياء فقد قال في صفحة 88 من الجزء الأول ( طبعة مكتبة الرياض الحديثة): "ثم دخلت السنة السادسة بعد المائتين والألف ، وفيها في أول جمادى سار سعود رحمه الله تعالى غازياً بالجيوش المنصورة من البادي والحاضر وقصد القطيف وحاصر أهل (سبهات) وأخذها عنوة ونهبها وأخذ (عنك) عنوة ونهبها وقتل منهم عددا كثيرا من الرجال أكثر من أربع مائة ، وأخذ أموالا عظيمة وصالحوه عن الفرضة بخمسمائة أحمر ، …. )(…. وفيها غزا هادي بن قرملة رئيس بوادي قحطان بأمر عبد العزيز بن سعود فسار بقحطان وغيرهم وأغار على بوادي من مطيرهم على الجنايح الماء المعروف في عالية نجد فأخذ عليهم إبلا كثيرة . وفيها غزا سليمان بن عصيفان بأمر عبدالعزيز بجيش من أهل الخرج وغيرهم وقصد قطر البلد المعروف بين عمان والبحرين فصادف غزوا منهم نحو خمسين مطية فناوخهم ، فقاتلوا وهزمهم سليمان وقتلهم إلا القليل وأخذ ركبهم) ثمَّ يستمر في التفاخر بغزو أهل جبل شمَّر وكيف عَدَو عليهم وأخذوا أموالهم ومواشيهم ومحلتهم ، وفي الجزء الثاني ص 27 يفخر بقتالهم لأهل البحرين والإحساء وغيرهما فمتى كان أهل قطر والبحرين والإحساء والقطيف وأهل جزيرة العرب عامَّة كفاراً تحلُّ دماءهم وأموالهم ؟! فمن – أيها المتلطخون بدماء المسلمين – هو الذي هدر دماء الأبرياء ونهب أموال المسلمين ؟؟!، هذا قديما أمَّا في الحاضر أليس (ابن باز) هو مفتيكم الذي أجاز قتل العراقيين وإن كانوا في الصلاة ؟!.

إنَّ التأريخ الإباضي ناصع البياض ، نقي الصفحة من دماء المسلمين ، وإنني أتحداك – وأنا العسكري المطَّلع على أخبار الحروب – إن لم تكن كاذبا أن تثبت ضلوع أهل الحق والاستقامة في سفك دم مؤمن واحد ، أو أكل ماله ، نعم لقد بذلنا مهجنا رخيصةً في قتال النصارى لإخراجهم من جزيرة سقطرى ، وإنقاذ المسلمين هنالك بعد أن بلغت استغاثة الزهراء السقطرية بالإمام الرضي الصلت بن مالك اليعربي قائلة في قصيدتها الشهيرة التي تجهلون:

قل للإمام الذي ترجى فضائلـــه *** ابن الكرام وابن السادة النجب

أضحت سقطرى من الإسلام مقفرة *** بعد الشرائع والقرآن والكتب

فلبينا ندائها بدماء طاهرة زكية ، نعم إننا سفكنا دماء النصارى البرتغاليين دفاعا عن جزيرة العرب وأخرجناهم منها بل وطاردناهم إلى شرق أفريقيا والتأريخ على ذلك حيٌّ يشهد ، نعم إننا سفكنا دماء النصارى الأسبان دفاعا عن حياض الإسلام في المغرب العربي ، وهذا كله رغم قلة عددنا وعتادنا ، ولكنها الفئة القليلة المنصورة بإذن الله .

4. الذين خالفوا أبا السبطين الإمام علي كرم الله وجهه في مسألة التحكيم ، هم صحابة كعبدالله ابن وهب الراسبي بل ومنهم من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة أكثر من مرة كحرقوص بن زهير السعدي ، والذي قُتل يوم النهروان ،فلا يجوز التشنيع عليهم ، وإنما ينبغي التوقف وأن نقول مقولة الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز ( تلك دماء عصم الله منها سيوفنا ، أفلا نعصم منها ألسنتنا) أو كما قال رضوان الله عليه.

5. الأشياء إمَّا خالق أو مخلوق فضع القرآن في المكان المناسب ، والله سبحانه وتعالى يقول :(ما يأتيهم

من ذكر من ربهم محدث) الأنبياء. فوصفه بالحدوث ، ولكن مِن مَن؟؟ من الله رب العالمين ، فهو أقدس قول وأصدقه ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.فهل الإباضية برأيهم هذا ينفون القدسية عن كلام الله سبحانه؟!.

6. الشفاعة: إننا نقول ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وقولوا ما شئتم ولكن اعلموا أنَّه(ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب مَن يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا)النساء123.

7. التَّقية: الإباضية لا يخجلون مما لديهم ، فصاحب الحق غير هيَّاب ولا وجل ، فكيف لنا باتخاذ التقية ، ونحن الذين ندعوا إلى الحوار واللقاء على كلمة سواء ، أما إن كنت تعني الكتمان الذي يتحدث عنه الإباضية ، فذلك فوق أفهام الذين لا ينعمون النظر في سيرة خير الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم ، فإن الإباضية هم أول من قعَّد للدعوة الإسلامية ، بعد أن

أكَبُّوا على القرآن شرباً لمائه *** فأوردهم والكلُّ ريَّانُ هائمُ

وبعد أن درسوا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فرأوا أنه لحكمة ما ، كانت الدعوة في أعوامها الأولى سرَّا ، وما كان ذلك جبنا ولا هلعا من بطش قريش ، بل ضنَّاً بالحق الناشئ أن تبطش به يد الباطل اللئيمة ، وهذا ما تنبهت إليه الحركات الإسلامية في هذا القرن أي بعد ثلاثة عشر قرنا من تقعيدنا له ، وتنبيهنا عليه .

8. أما قولك بأن الإباضية محرفون لأسماء الله وصفاته فهذا بهتان عظيم ، فنحن نصف ربنا بما وصف به نفسه لا نزيد على ذلك ولا ننقص ، ولكننا ننزه الله أن يكون مثله شيء ، مصداقا لقوله تعالى في المحكم من كتابه(ليس كمثله شيء)فالله سميع ولكنه ليس كعباده بحاجة إلى أداة سمع ، وبصير ولكن ليس بحاجة لباصرة ، فالله سبحانه وتعالى لا نشبهه بالخلق ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، والتأويل في مثل هذه المواضع هو الصواب عند كلِّ مبصر ، فالله سبحانه قال عن سفينة نوح(تجري بأعيننا)فهل يستطيع أن يفسر مسلم هذه الآية إلا بأن السفينة كانت في حفظ الله سبحانه ، أو ما يعني مثل ذلك ؟ وقال سبحانه في سورة طه عن نبي الله موسى ( ولتصنع على عيني) أي بحفظي ، وكذلك قوله سبحانه وتعالى (يد الله فوق أيديهم) لابد فيه من التأويل لما هو بديهي من المعنى ، وهذه لغة العرب التي نزل القرآن بها التي يطَّردُ فيها المجاز ، فقد قال سبحانه واصفا كتابه الكريم (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) فأين يدي القرآن وخلفه ، أم أن المعنى أن القرآن لو قلَّبناه آية آية وحرفا حرفا فهو معجز ، وكله حق .

لماذا قبلتم التأويل هنالك عندما حاصرتكم الحجة ولا تقبلوه لتنزيه الله سبحانه عن المماثلة لخلقه ؟!

إن تشبيه الله بخلقه بأن له يدا ورجلا ويجلس على العرش في السماء ، لهو تطاول على الذات العلية ، وتحميل لآيات الله مالا تحتمله ، وكأن الذين يقولون هذا القول لا يفقهون لغة العرب ، فالله سبحانه لا تحيط بذاته الأفهام ، وقد نهينا عن الخوض بذلك ، كيف أن نحده بالزمان والمكان ، والله لا تحيط به الأقطار ولا الأزمان ، وعلى هذا فليس من الأدب مع الله أن يفسر الاستواء بالجلوس المعهود للبشر وإنما هو الحكم والسيطرة ، وعلى كلٍّ فالكل من المسلمين متأول لكلمة الاستواء فالبعض فسرها بالجلوس الحسي فكان مجسِّما ، ومنا من تأدب مع الله ففسرها بما يتناسب والذات العلية.

9. وزعم كاتبكم في تخريصه أيضا أنَّ الإباضية ينفون الميزان و الصراط ، والظاهر أن من الناس من لابدَّ أن يقاد وإن كان له عينين حتى في كلِّ طريق أبلج ، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول :( يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال : فيقول: نعم ، فيقول الله قد أردت منك ما هو أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر أبيك أن لا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك) متفق عليه ، وأحاديث أخرى كثيرة يذكر فيها محاسبة الله سبحانه وتعالى فيها عباده ، فأين الميزان الحسي هاهنا أم أنه كما قال الله سبحانه : (والوزن يومئذ الحقُّ)الأعراف ، وأما الصراط فارجع إلى سورة الفاتحة التي تكررها كل يوم في صلاتك وتأمل أهو صراط حسي أم معنوي ، وعلى كلِّ حال فإن المسألة مما لا يؤدي الاختلاف فيها إلى كبير أمر ، ولكن الأولى التوقف عند الغيبيات ، والاكتفاء بالإيمان أن الله يطالبنا سلوك صراطه المستقيم ، وأنه محاسبنا على مثقال الذَّرة من الأعمال ، ألا فلنعدَّ للسؤال جوابا ، ونبعد عن الجدل العقيم ،أما إذا أردتم أن تعلموا قولنا في هذه المسألة وغيرها من مسائل الاعتقاد ، فإنني أدعوكم مخلصاً لقراءة كتبنا ، والانتهاء عن مصادرتها وحرقها ، فراجعوا مثلا كتاب (الحق الدَّامغ) لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي .

10. لن أرد على فرية تعذيب أهل السنة في عمان وحكمهم بالحديد والنار ، ولكن انظروا كم من وزراء عمان هم من الشافعية :الخارجية - الشئون القانونية - النفط والمعادن - المواصلات - الإعلام - الصحة - البريد والبرق والهاتف - الاقتصاد - الخدمة المدنية - رئيس مجلس الشورى ، دعك من السفراء والوكلاء والعسكريين ورجال الأمن ومديري العموم وغيرهم ، فكيف يتعذب إخواننا أهل السنة وهذا حالهم .

إن الإباضية لم يتقوقعوا في مذهبية ضيقة خلال تأريخهم العريق ، بل نظروا إلى المسلمين كجسد واحد ، تجب حمايته لا إيذائه ، وأنظر ما كتبه غير الإباضية عن دولة (تيهرت) في شمال المغرب العربي عدلا وقسطا ، وانظر ما فعله الإباضية بين أهل اليمن أيام حكم طالب الحق عبد الله بن يحيى الكندي ، وكيف لم يستحلوا درهما واحدامن أموالهم التي اغتصبها بنو أمية فأعادوها إلى أهلها درهما درهما ، وانظر ما فعله الإباضية أيام حكمهم لمكة والمدينة المنورة حرسهما الله ، فتاريخنا شاهد على أخلاقنا ، نحكم بكتاب الله ، وسنة نبيه ، واضعين قوله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)المائدة. ولو كنا نبغي الظلم ، وإرغام الناس على ما نؤمن أنه الحق لاشترطنا على من يبغي الإقامة بيننا من الوافدين إلى هذا البلد الطيب ، وهم بحاجة ، بأن يعتنقوا المذهب الإباضي أولا قبل التجنس ؛ لا أن نعذبهم لاحقا ، ولكننا نؤمن أنه لا إكراه في الدين ، ولن نستغل الناس لضعفهم ، آملين أن نكون أهلا لحمل الوسام النبوي الذي شرفنا به رسول الهدى حين قال في الحديث الذي رواه الإمام مسلم(4616 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْوَازِعِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو الرَّاسِبِيِّ سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ *)

11. خلاصة القول أن الإباضية يبتعدون عن كل عقيدة يهودية حذَّر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين منها ، كأمنية اليهود الخروجَ من النار حين قالوا ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)البقرة ، ومن أين التأويل بأن كلمة (سيئة) النكرة تعني هنا الشرك ، والعرب إذا أرادت التعميم نكَّرت ، أم أنكم لا تفقهون لغة العرب يا من تنقمون على الإباضية التأويل ، وكذلك طلب اليهود رؤية الله سبحانه ، فقالوا (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)البقرة ، وقد قال الله لسيدنا موسى (لن تراني) ولن في لغة العرب تفيد النفي التأبيدي ، كما في قوله تعالى (لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) فلا اليوم ولا غدا سيستطيعون خلق الذباب ، فالله سبحانه كما قال في محكم الآي (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) ودعك من التناقض فكتاب الله مقدَّم على غيره ، والمحكم يفسر المتشابه فقول الله سبحانه( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) هو ما فهمه حسان بن ثابت شاعر الرسول حين قال:

وجوهٌ يوم بدر ناظراتٌ *** إلى الرحمن يأتي بالفلاحِ

فهذه الوجوه آملةٌ النصر ، كما أن وجوه المؤمنين يوم القيامة آملة رحمة الله أن تدركها فيدخلون الجنة ، وهذا مقابل للفريق الآخر لو تأملنا باقي الآيات (ووجوهٌ يومئذ باسرة) وهذه مقابلة للآية الأولى أما الآية(تظن أن يفعل بها فاقرة) فهي مقابلة للآية الأخرى ، فالفئة المؤمنة تنتظر رحمة الله بدخول الجنة ، والفئة الكافرة تتوقع أن يحل بها ما يقصم الظهر فتدخل النار.

وإذا لم تر الهلال فسلِّم *** لأناسٍ رأوه بالأبصار

أيها الإخوة الأعزة إنني أدعوكم لتأمل ماكتبت ، وأن تحكموا عليه بعين الإنصاف ، وتتبعوا أحسنه ، فالحق لا يعرف بكثرة أتباعه وإنما بمقدار نهله من كتاب الله وسنة رسوله الأواه عليه صلوات ربي وسلامه ، والحكمة ضالة المؤمن.

إن حذف مقالة الخوارج عاجلا من مجلتكم الموقرة ، ودراسة مذهب أهل الدعوة دراسة أساسها تقوى الله في أعداد قادمة ؛ لدليل على حسن النية ، وصدق الطوية ، والله أسأل أن يجمعنا على الحق والصواب.

(قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون)

أبو أسامة

جمادى الأولى 1418هـ